الفقر
يعتبر الفقر علّة تتفشّى في جسد العالم، ومرض خبيث يصل حدّ القتل، يفتك ويضرب ويشرّد كلّ كائنٍ بشريٍّ فقيرٍ على وجه الأرض. ورغم كل التّقديرات والمؤشّرات والحلول الّتي وضعت من خلال الخبراء لا يزال الفقر منتشراً رغم ما يتمتّع به العالم من خيرات تنتشر من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه .
أسباب الفقر
يعدّ الفقر نتيجةً لعدم تكافئ الفرص، والتفرقة بين النّاس في الحقوق والواجبات؛ فمثلاً هناك أناس لهم حقوق أكثر مقابل التزامات أكثر، ويعتبر الفقر أيضاً نتيجةً للعنصريّة الجغرافيّة، والعنصريّة البشريّة؛ بمعنى أنّ هناك إقليم في بلد ما يتميّز عن الآخر في العناية به والخدمات الّتي يتمتّع بها، وإقليمٌ آخر لا يوجد به أيّ اهتمام في الخدمات، وهي لا تتناسب أيضاً مع أهميّة الإقليم وحجمه.
ويعود السبب في ذلك الخلل بين الأقاليم إلى أنّ السّلطات الّتي تتولّى الحكم لا يهمّها إلا بقاءها في الحكم؛ فهي تفقد الإحساس بالآخر، وكأنّ رئيس الدّولة يعطيها( حقن بنج) ليخدّرها فتفقد الإحساس بالآخر ، وتميل التربية في العالم العربي اليوم إلى الذاتيّة والأنانيّة؛ فهم تربّوا على انعدام الإحساس بالآخر إلّا هم وأولادهم، ويعتبرون الباقين حشراتٍ أو كائناتٍ اختارها الله عزّ وجل لخدمتهم، ويُعدّ ( حق التميز )هو شغلنا الشاغل .
تتردّد عبارات كثيرة على لسان بعض النّاس كأنا العالم، وأنا الأناقة، وأنا المثقّف ذو المعرفة؛ وهذا يعتبر غروراً، ولكنّ البعض يسمّونه ثقة بالنّفس، وهذا مفهوم خاطئ لأنّ صاحب العبارة فاقدٌ الإحساس بالآخر، ولا يعرف شيئاً إلّا نفسه ومصالحه، وهذه تربية غير إسلاميّة. والكثير يطالبون الإنسان العربي بالإحساس بالحيوانات!! فكيف يحسّ بهم وهو فاقدٌ الإحساس بأخيه الإنسان.
أنا تعلّمت فأرغب في العمل والزّواج، لا تردّد هذا العبارة!! فليس المهم أنت بل المهم أن يعمل أولاد الذّوات؛ لأنّهم فقط أهلٌ للثّقة!!، وبهذا هم فاقدون للإحساس، والّذي فقد الإحساس بالآخر مهما تعلّم الدين والقانون والمعرفة، لا يصلح لإقامة العدالة، وتحقيق أهداف الأمّة في إقامة العدل؛ لأن العدل أساس الحكم، وفي عالمنا العربي التخلّف هو أساس الحكم. هل أنت أيّها الحاكم تعيش في برج عاجي؟ ، وتغلق على نفسك من الآخرين مثل باقي المسؤولين من رجال الحكم والقضاء والوزراء، ولا ترغب في الإحساس بالشّعب إلا إحساساً نظريّاً فقط؟!!.
ممّا سبق يتبيّن السبب الحقيقي في اكتساح الفقر للعالم العربي، فالأسعار في زيادة، والوظائف في تلاشي، وكلّ ذلك يعود إلى عدم التّطبيق من قبل المسؤولين؛ فهم كالشاعر الذي يتغنّى بحبيبته دون أن يدرك بأنّه قتلها إهمالاً وظلماً!!
ما الحل؟
ربّما أنّك لا تستطيع حلّ هذه المشكلة، أو لا ترغب في حلّها لإقامة التّوازن بين الطّبقات في المجتمع، ولقتل الفقر. صدق من قال لو كان الفقر رجلاً لقتلته؛ فنحن لسنا ضد الأغنياء، بل نبني تماثيل لهم ولذكراهم، ولكن عليهم الاهتمام بالفقراء فهذا لصالحهم، وعليهم محاربة هذا الفقر كما فعل الإسلام، وليس أن يكون هدف السلطة والأغنياء أن تنعدم المساواة، وأن ينتشر الفقر ويعم.